الثلاثاء، ١٩ يونيو ٢٠٠٧

يوميات إمرأة مشعة .... هل صار مرضنا و آلامنا و أوجاعنا أدب يـُكتب

( يوميات إمرأة مشعة )
رواية للكاتبة نعمات البحيرى و نوع من أدب السيرة الذاتية غريب جدا ً ، فنعمات البحيرى - وهى من جيل الثمانينيات الأدبى - و كعادتها دائما ً فى إثارة الدهشة و نثر الإعجاب حول أعمالها الأدبية و بعد أن لفتت الإنتباه بشدة إليها بروايتها ( أشجار قليلة عند المنحنى ) تقدم ( يوميات إمرأة مشعة ) حيث تجربتها الأليمة مع سرطان الثدى هذا المرض الذى نخشى حتى من ذكر إسمه و الذى أكدت كل البحوث الطبية أن أهم سبيل لعلاجه هو الإستقرار النفسى و الراحة الشعورية فهو مرض يغذيه القلق و ينميه الخوف و يعظمه الحزن
تبدأ الرواية بمقولة قوية جدا ًللكاتب الألمانى فرانز كافكا تلخص الجو العام للرواية كلها تقول " ينبغى عدم السخرية من البطل و هو يترنح أمام خشبة المسرح بعد أن أصيب بجرح قاتل إننا نمضى سنوات من حياتنا و نحن نرقص من الألم " تبدأ بعد ذلك فى قص حدوتتها بداية ً من معرفتها بمرضها ثم قيامها بإخفاء أمر مرضها عن أمها ثم قيامها بعمل التحاليل اللازمة قبل العملية الجراحية و هنا تبدأ نعمات اولى خطواتها تجاه تجاوز محنتها فبمجرد دخولها معهد ناصر للأورام تتبع المثل الشهير " اللى يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته " فتريك وطن هده المرض و أحنى عوده حتى بات شاحبا ً ذابلا ً و تصف لك المرضى و أحوالهم التى يرثى لها و كأنها ليست مريضة مثلهم و بها ما بهم و بليتها بليتهم و كأنها مفتش صحة ثم يأخذك أسلوبها الذى يصفه د.مجدى توفيق فى أطروحته النقدية " كتابة الحرية و التناغم " بالتفق السردى ليصف لك جو من أغرب الأجواء ... جو يثير الإشمئزاز فى نفوس الكثيرين و يمقته جمهور أكثر .... جو يبعث الرهبة فى النفوس ... تصف نعمات المستشفى و الممرات و الأقسام و الغرف و الأجهزة الطبية و رائحة المواد المطهرة و المعقمة المنتشرة فى الأرجاء ، الأطباء و الممرضات أشكالهم و أوصافهم و طرائقهم جو عاصرته بنفسى و أدرك ما يعنيه جيداً
تتغلب نعمات على مرضها بسلاحين لا ثالث لهما الأول أصدقاءها الذين وقفوا بجوارها و ساندوها بشكل يندر هذه الأيام و الثانى كتابتها الساخرة فتتهكم من كل شئ حتى من نفسها
تصل بك نعمات إلى القمة حين تتخيل الأجهزة الطبية آلات تعذيب و تعترف ... و يا لها من إعترافات منها أن الحلم وحده كان سبيلها لتجاوز كل عثراتها وأنها تمردت على أبيها بحصولها على بكالوريوس التجارة و أنها تزوجت عن حب - رغم الآلام التى ذاقتها من بلد هذا الزوج - و أنها كانت تتمنى أن تصبح اما ً لكنها لم تسع لذلك لخشيتها من المصير المظلم و أنها تمردت على كل الوظائف لأن كل من هذه الوظائف كان يريد أن يحولها إلى ترس فى آلة لإنتاج القهر
تتساءل نعمات بعدما يشرح لها صديقها يوسف غطاس ماهو السرطان ؟ أنه خلايا جسمية تفقد وظيفتها فتجن و تشرد و توجه كل طاقتها لإفشال وظائف الجسم الأخرى ، لو إعتدمنا منطق التماثل بين خلايا الجسم و خلايا المجتمع و الكم الهائل الذى فقد وظائفه ألا يجن و يشرد و ينقسم و يتكاثر و يهاجم من يملكون وظائف و مال و سكن و حب و حياة و يعيثون فى الأرض فسادا ً و تطرفا ً و تعصبا ً و جريمة و إدمانا ً و قهراً
تصل نعمات لذروة السخرية عندما تقص علينا المتاح عن ( ثدييها ) منذ النشأة و أول صدرية و حتى البتر الجراحى فى فصل ( مرثية صدر ) الذى تنهيه بقولها " فى ذلك النهار لم أجد احدا ً أبكى على صدره فبكيت على
" صدرى
تغلبت نعمات على آلامها بالكتابة فالكتابة بالنسبة إليها هى بهجة مدفوعة الثمن من الوحدة و الوحشة و تأجيل الأحلام و هى كلمة تتبادلها مع الناس حتى تظل معهم مثل خيول جامحة ترفض الإنسياق لطرق ممهدة شكلا ً لكنها وعرة و مسدودة و هى رئة أخرى لهواء نظيف ... هى خط الدفاع الأخير عن مقاومة الموات و الإنزواء و اليأس و الإحباط هى صرخات من القلب الموجوع بسياط الرغبة فى تغيير وجه و روح و عقل العالم عبر تجريد الأحلام و كسر القيود و تبديد الأوهام
و لكن يبقى السؤال هل صار مرضنا و آلامنا و أوجاعنا أدب يــُـكتب ؟ بمعنى آخر هل صار مرضنا و عذابنا واقع نعيش و نتعايش معه و من ثـَم نكتب عنه كواقع و جزء من حياتنا ؟ هل فقدنا القدرة حتى على العيش أصحاء ؟

محمد ياسر بكر

ليست هناك تعليقات: