الأحد، ٢٩ يناير ٢٠١٢

الشرطة المصرية ... من الوطنية إلى الخيانة العظمى

من 25 يناير 1952 إلى 25 يناير 2011 فارق شاسع للغاية فى التاريخ الأول وقفت الشرطة المصرية كفصيل وطنى من أبناء مصر موقف الرجال و فى التاريخ الثانى ثارت الناس على الشرطة المصرية لأنهم تحولوا من فصيل وطنى إلى فصيل مغاير يتسم بالعنف و الإستبداد و قد انحرف عن أداء مهمته الأساسية فى حماية المواطنين و نشر الأمن فى ربوع الوطن إلى سوط فى يد الحاكم لا يهتم إلا بجلد الناس و لا يعبأ بهم قدر ما يعبأ بأمن الحاكم و القضاء على خصومه السياسيين .

60 سنة تحولت فيهم الشرطة المصرية من رجال شرفاء إلى خصوم لكل مواطن مصرى من أبطال على شاشة السينما يتحدثون بمنتهى الأدب و اللباقة و يقضون على الجريمة إلى فاسدين و تجار مخدرات و سلاح و ظهور أحدهم بشكل حسن فى السينما المعاصرة يعتبر فورا ً نفاق لهم و مداهنة للحاكم .
يجب أن نسمى الأشياء بمسمياتها حتى تتوافر لنا الحلول العملية للأزمة الراهنة ، لقد قامت الثورة اساسا ً على الشرطة المصرية لأنها تعبر عن الحاكم و يسميها المواطن ( الحكومة ) منذ 30 سنة .

قامت الثورة لتثأر لكل من مات فى سجون و معتقلات الشرطة مختارة رمز آخر الضحايا المواطن " خالد سعيد " .

و على هذا سيظل الإحتقان قائم بين الشرطة و المواطنين مهما تغيرت الحكومات و مهما مارسنا الديمقراطية و اخترنا برلمان و رئيس سيظل كل فريق يحشد للآخر و يعد العدة للمواجهة القادمة .

الثوار الشباب يتجملون أمام الإعلام و الإعلام كعادته خاصا ً كان او عاما ً يتجاهل الأزمة الحقيقية و يتحدث عن وطن آخر فيه ثورة سلمية و ثوار سلميون و شرطة لا تحمل اى ضغائن للمواطنين .

أصل الأزمة :

حاكم ديكتاتورى لعنة الله عليه حكم البلاد لثلاثون عاما ً و كان يود أن يورث البلاد بعد وفاته لابنه ، حكم بما لا يرضى الله فظلم و عاث فى الأرض فسادا ً و لم يستخدم او يستوزر إلا ذوى الفضائح و النقائص و الأغبياء و محدودى الإمكانيات و اللصوص حتى يسهل عليه السيطرة على كل مقاليد الأمور .
و صنع من وزارة الداخلية و هيئة الشرطة جيش داخلى مسلح بالمدرعات و الصواريخ و مختلف انواع البنادق و الأسلحة الآلية و القنابل ، و ضخم قطاع المركزى للدرجة التى جعلت الصحف العالمية و وسائل الإعلام الغربية تصفه بـ " تشكيلات شبه عسكرية " ، و صنع من جهاز أمن الدولة جستابو مصرى او طابور خامس يتجسس و يتدخل فى أدق أدق تفاصيل حياة المصريين و يتحكم فى مصائرهم و حياواتهم ، و جعل الأمن السياسى شغله الشاغل و تصفية المعارضين بالفضائح او الضرب او القتل او الخطف او السجن .

و ولدت أجيال فى ظل قانون الطوارئ و لم تعد تجد غرابة فى الكمائن المنتشرة فى كل مكان و من طلب تحقيق الشخصية فى اى وقت و اى مكان و التفتيش بدون إذن النيابة العامة و تقييد المواطنين بالقيود الحديدية ( الكلابشات ) و القبض عليهم بدون إذن ضبط و إحضار .
و كانت حادثة " خالد سعيد " القشة التى قسمت ظهر البعير فلقد أشعرت المصريين أن الخطر أحاط بهم و ليس عليهم ارتياد الأقسام لينالهم على الأقل المهانة و ضياع الكرامة او يخرجوا منها على ظهورهم قتلى – و لقد هجروها منذ زمن – فالقتل أصبح يتم توصيله للمنازل .
و ساعد الدكتور محمد البرادعى على تدويل القضية و أن تصبح لها أصداء عالمية و صلى مع السكندريون فى مسجد سيدى جابر على " خالد سعيد " .

واقع الأزمة :

خرجت الجماهير فى 25 يناير بدعوة [ التنكيد ] على الشرطة فى يوم عيدهم و قد استطاعت الشرطة بنجاح باهر ان تنسى المصريين ان فى مثل ذلك اليوم وقفت الشرطة موقف الأبطال فى وجه قوات الغزاة و أجبرت قائدهم فى نهاية المعركة أن يرفع قبعته احتراما ً و يحييهم عسكريا ً ، خرج المصريون و قد لخصوا فى الشرطة كل مرار السنوات الماضية و كل ما اقترفه الحاكم فى حقهم ، خرج المظلومون بحثا ً عن العدل و عن حقوقهم الضائعة و قد خذلهم القضاء او نصفهم و لكن السلطة التنفيذية هى الخصم و الحكم ، و خرج الباقون خوفا ً من أن ينالهم الظلم مثل سابقيهم و قد وصل بطش الشرطة إلى حد صفع القضاة و ضربهم بالأحذية و اقتياد أحدهم لسيارة الشرطة – البوكس – خرجت النساء و الفتيات يثأرن لذويهن و قد نالهن حظ وافر من زبانية الشرطة من تحرش و انتهاكات جسدية و هتك أعراضهن جهارا ً نهارا ً ، خرجت النساء و قد فقدوا رجالهن او أولادهن فى أقسام الشرطة او المعتقلات .

لم يكن غريبا ً بعد كل هذا أن يشعل المواطنون النار فى أقسام الشرطة و النقاط و المراكز و المديريات ، لم يكن غريبا ً أن يدخل المواطنون حروب شوارع مع قوات الأمن المركزى و فرق الكاراتيه و الشرطة السرية و عناصر أمن الدولة ، لم يكن غريبا ً استمرار المناوشات و حالة البغض و العداء بين المواطنون و الشرطة حتى لحظة كتابة هذه السطور لأن القوات المسلحة المصرية خذلتهم و سيظل هذا الوضع إلى أن يقضى الله أمرا ً كان مفعولا ً .

القوات المسلحة و الشرطة :

كنا فى أمس الحاجة إلى " البكباشى يوسف صديق " - و مازالنا - و لكن ليس لإعتقال وزير الحربية هذه المرة و لكن لإعتقال وزير الداخلية و كل قيادات الشرطة و السيطرة على كل مقدراتها و قواتها و أسلحتها و أوراقها و ملفاتها لحين فصل القضاء فى الأمر .
و مازال الأمر فى يد القوات المسلحة فالسيناريو الأسود الذى قد نكون مقبلين عليه بعد عودة القوات المسلحة إلى ثكناتها هو عدم قيام الشرطة المصرية بدورها كجهة تنفيذية لأحكام القضاء فتمتنع عن سجن أحدهم او القبض عليه او تنفيذ حكم الإعدام فيه ، و وقتها سنطلب من القوات المسلحة العودة للشارع ثانية ً لإعتقال الشرطة .

هل القوات المسلحة تخشى الشرطة ؟ عندها ستكون الطامة الكبرى ، هل القوات المسلحة لا يعنيها الأمر ؟ و قادتها امتداد فكرى و سياسى للحاكم المخلوع و بالتالى لا ترى فى الأمر ثمة مشكلة ، هل القوات المسلحة تخشى أن تتحول الشرطة إلى عصابات مسلحة تروع المواطنين و تحيل حياتهم جحيم ؟

انحرافات الشرطة :

- الإعتداءات و الإنتهاكات البدنية و اللفظية على المواطنين .
- قتل المواطنين عمدا ً و تلفيق قضايا لهم .
- التعود على العمل فى ظل قانون الطوارئ و عدم القدرة على العمل فى ظل القوانين الطبيعية .
- ضحالة الثقافة الأمنية و القدرات الشرطية المحدودة التى لا تمكنهم من ضبط الشارع و المحافظة على الأمن .
- تلقى الرشاوى و الفساد الإدراى و الوظيفى .
- عدم معاقبة المخطئين و الفاسدين من الشرطيين و عدم وجود منظومة واضحة للمحاسبة و الرقابة .
- الإقتناع بثقافة ( أسياد البلد ) التى تجعلهم يتصورون أنهم أفضل من المواطنين و يزيدون عليهم درجات .
- سوء استغلال الرسوم الإدراية و المخالفات .

آليات الإصلاح الشرطى و الأمنى :

- فصل هيئة الشرطة عن وزارة الداخلية .
- دمج وزارت الداخلية و التنمية الإدارية و التنمية المحلية .
- تحويل هيئة الشرطة لقيادة عامة يتولى قيادتها ضابط شرطة برتبة عقيد على أن تكون هذه الرتبة آخر الرتب المستحقة فى الشرطة المصرية و يتم تخريج ضباط الشرطة برتبة رقيب .
- إصلاح التعليم فى كلية الشرطة بإلحاق هيئة تدريس جديدة تتكون من مجموعة من الأساتذة المتخصصين فى العلوم الشرطية و العلوم المساعدة و خبراء أجانب أمنيين ، و زيادة الجانب العملى عن النظرى .
- إنشاء هيئة قضائية مستقلة تعمل على مراقبة الشرطة و ضبط سير عملهم و ضمان عدم الإنحراف عن الطريق الصحيح و التحقيق فى شكاوى المواطنين و التحقق من نيل السجناء و المحبوسين لحقوقهم التى كفلها لهم القانون .
- إنشاء هيئة مستقلة تنمى قدرات الشرطى العقلية و البدنية و الأمنية و تضع ميثاق يحدد مواصفات رجل الشرطة المثالى و تستبعد كل فترة دورية الشرطيون الذين لا يستطيعون تحقيق الحد الأدنى من هذه المواصفات .
- تفعيل دور مركز البحوث الإجتماعية و الجنائية .
- تفعيل دور العلاقات العامة فى النقاط و الأقسام و المراكز و المديريات على أن يكونوا من خريجى كليات الإعلام .
- استخدام خريجى كليات الحقوق فى العمل فى الجوانب القانونية المختلفة و كافة المهام التى لا تحتاج إلى شرطى متمرس لإدارتها فيقتصر دور الشرطيون على الجوانب الأمنية فقط .



بغير هذا سيصبح من العسير للغاية عودة العلاقة الطبيعية بين المواطن و الشرطى و ستظل الحالة الثأرية بينهما خاصة ً فى ظل انتشار ثقافة هيبة الدولة و هيبة الشرطة فالدولة و الشرطة أشخاص زائلون و الباقى هو القانون ، يجب أن تعود هيبة القانون و يخشاه المواطنون أشد الخشية لأنه يطبق على الكبير قبل الصغير الغنى قبل الفقير القوى قبل الضعيف ، بهذا سيحترم المواطن اى شخص يطبق القانون و لو كان مواطن عادى مثله .