الأحد، ٣٠ مارس ٢٠٠٨

خارج على القانون ..... إختلال الموازين قبل إختلال الرؤى





 خارج على القانون الفيلم الرابـع للمخرج أحمد جلال و الفيلم الثامن للنجم الشاب كريم عبد العزيز - من حيث البطولة المطلقة - ، فيلم مصرى حيث باتت الأفلام المصرية نادرة وسط زخم الأفلام ذات الصبغة الغربية و أعنى بفيلم مصرى ليس الجنسية فقط و إنما مصرية القصة و مصرية أماكن التصوير و مصرية الشخصيات حتى مصرية الإمكانيات و الأدوات .
و هذا النوع من الأفلام هو الأجدر بالمناقشة ، فلقد أعاد الثلاثى ( جلال مخرجا ً و بلال كاتبا ً و كريمم مثلا ً ) مكانة السينما المصرية التى إفتقدناها لعدة سنوات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة و هذا الفيلم هو فيلمهم الرابع معا ً بنجاح غير مسبوق حتى بات كريم عبد العزيز و صديقه الكاتب بلال فضل وجهان لعملة واحدة فبطل كل قصص بلال [ ابن ناس ] و [ ابن بلد ] و [شهم ] و [ جدع ] و [ دمه خفيف ] حتى لو كان [ صايع ] او [ مجرم ] كما فى فيلمهم الأخير و الإثنان معا ً لا يقدمان إلا الجيد و الجاد فكريم قبل بلال كان لا يذكر و بلال أعماله التى لا يظهر بها كريم هى من أفشل الأعمال السينمائية فلا نكاد نصدق أن الكاتب الذى ألف أرقى أفلام الكوميديا مثل ( أبو على ) و ( فى محطة مصر ) و أهم الأفلام الإجتماعية فى العشر سنوات الأخيرة ( واحد من الناس ) هو نفسه من ألف أعمال بمثل إبتذال ( حاحا و تفاحة ) و ( سيد العاطفى ) و ( على سبايسى ) .
الإخراج :- لأحمد جلال المخرج الشاب الواعد المنتمى لمدرسة أبيه - المخرج الكبير نادر جلال - الإخراجية مع سمات شخصية تنمو يوما ً بعد الآخر ، لم يوفق أحمد فى هذا الفيلم كسابق أفلامه من حيث :-
- إخراج بعض اللقطات كبيرة بينما الأنسب لها أن تكون بعيدة و العكس كانت هناك لقطات بعيدة كان الأنسب لها أن تكون قريبة .
- إختلف هذا الفيلم عن سابق أفلام جلال لتخليه عن أهم سمات جلال ، أحمد جلال مخرج محترف وليس مخرج إسما ً فقط ككثير من أبناء جيله لذلك هو متمكن كقائد و موجه لطاقم العمل و الممثلين و لا أحد يستطيع أن يتدخل فى أسلوب إخراجه و إدارته السينمائية شأنه شأن أى مخرج محترف و لأن كريم ممثل محترف ابن مخرج كبير كان يطيعه فى كل شئ حتى فى الأمر الذى كان يجعله مختلفا ً عن ممثلين جيله ألا و هو عدم إنفراد البطل بمعظم مشاهد الفيلم و مشاركة كثير من الممثلين الكبار - الذين لم نرهم لسنوات - فى أفلامه و لن ننسى ابدا ً أن جلال هو من أعاد محمود الجندى إلى السينما بكامل ثقله و قوته فى دور لم يؤده محمود منذ دوره فى ( اللعب مع الكبار ) ، بينما فى ( خارج على القانون ) نجد كريم عبد العزيز قد ظهر بصورة مكثفة جدا ً فى الفيلم حتى أنه ظهر وحيدا ً على إعلانات الفيلم وحده لأول مرة كما لم تشاركه البطولة ممثلة لها ثقلها كما هى العادة فى كل أفلامه و تم تهميش الدور الأنثوى فى الفيلم و هذا تغيير كبير فى رؤية أحمد الإخراجية او بمعنى أدق إختلال رؤيته .
- كما أن إختيار جلال للفنان الكبير ( حسن حسنى ) للقيام بدور ( السويسى ) لم يكن موفقا ً لأننا كنا نرجو أن يستطيع جلال بأسلوبه الإخراجى المميز أن يقدم ( حسن حسنى ) بصورة جديدة او يخرج منه ما لم يخرجه أحد قبله و لكن للأسف طغى أسلوب حسن و قدم الشخصية الشريرة بطريقته هو و التى سبق أن قدمها فى كثير من الأعمال مثل ( خالى من الكوليسترول ).
- كما لم يستطيع جلال أن يجعل كريم يقوم بالشخصية كما ينبغى فلم نرى الشخصية محددة العالم فلقد كان من المفترض أن نرى شخصية شريرة مجرمة نتعاطف معها لظروفها و نشأتها ... إلخ و لكن الشخصية التى قدمها تشعر معها و كأنها تقوم بوظيفة روتينية مملة لا حياة فيها و كان أداؤه باهتا ً .
- لم يهتم جلال إطلاقا ً بمايا نصرى و كأنه تركها دون توجيه تمثل بالطريقة التى تحلو لها .
اما النقاط الإخراجية التى أتقنها جلال و تفوق فيها - رغم قلتها - فهى :-
- دور ( محمود الجندى ) الصغير و المؤثر للغاية فى أحداث الفيلم حتى آخر مشهد فلقد كان مشهد قتال الأب المجرم مع الشرطة من أتقن و أفضل مشاهد الفيلم إخراجيا ً ... الإضاءة مناسبة و اللقطات و الديكور و أداء ( الجندى ) المذهل كعادته .
- الإدارة الممتازة للفنان أحمد عبد الغنى ... الممثل الذى مارس العبث السينمائى كثيرا ً مع قليل من الأدوار الجيدة و تقنين السينما له فى دور الشرير او مكدر صفو العاشقين و المحبين ، لمع أحمد فى ( خارج على القانون ) على يد جلال و لقد شهد هذا الموسم تفوق آخر له على يد خالد يوسف فى ( حين ميسرة ) و لكنه جذب الإنتباه أكثر فى ( خارج على القانون ) عن ( حين ميسرة ) لكبر حجم الدور و إتساع مساحته ، أخرج جلال كل طاقات أحمد عبد الغنى فى ذلك الدور - دور ضابط الشرطة - ليقدمه بإقتدار لم يسبقه فيه - فى السنوات الخمس الأخيرة - سوى ( خالد صالح ) فى ( تيتو ) ، و من الطرائف السينمائية التى قد تتحول لمشاكل أن حجم الدور فى القصة و مهارة جلال صنع من ( أحمد عبد الغنى ) نجم نافس البطل فى فيلمه كما سبق و حدث مع شريف عرفة فى ( مافيا ) حينما صنع ( مصطفى شعبان ) حتى أنه أشيع أنه سرق الأضواء من النجم ( أحمد السقا ) و لقد كذب ( السقا ) هذه الإشاعة فعلا ً لا قولا ً بإشراك ( عمرو واكد ) معه فى ( تيتو ) و بطولتان جماعيتان فى ( حرب أطاليا ) و ( عن العشق و الهوى ) .
- مشاهد المطاردات و الحركة فى الفيلم كانت تفوق الممتاز فهذا هو المجال الذى لا يبزه فيه سوى طارق العريان او شريف عرفة .
القصة و السيناريو و الحوار :- للكاتب المتميز بلال فضل الذى حير الجمهور قبل النقاد بإزدواج شخصيته فى الكتابة و هذا هو السبب فى اننا لا نستطيع الحكم على قصة ( خارج على القانون ) بأنها جيدة و حسب او سيئة و حسب ؛ لماذا ؟ لأنها ليست قصة فاشلة و فيلم ساقط نحتقره و لا يستحق حتى أن نكتب عنه كبعض أفلامه السابقة و لا هو بالفيلم المكتوب بعناية فائقة كـ ( واحد من الناس ) فلا نملك سوى أن نمدحه طوال الوقت و نـثـنى عليه .
إنما ( خارج على القانون ) هو فيلم يحمل وجهة نظر واضحة تستحق أن نقف طويلا ًأمامها و نقول لبلال :- إن وجهة نظرك مشوشة مهتزة إن لم تكن خاطئة ترى السراب و تحسبه حقيقة .
الثلث الأول من القصة ممتاز و حبكته الدرامية عالية .... و واقعى لخصه بلال فى براعة بجملة ( فى بلدنا دى ابن الدكتور بيطلع دكتور و ابن المهندس بيطلع مهندس و ابن تاجر المخدرات بيطلع تاجر مخدرات )
باقى الفيلم هو ما يستحق التوقف طويلاً أمامه ، واضح جدا ً أن بلال من تأثره بالفساد المستشرى فى مؤسسة الشرطة أصبح يرى كل الشرطيين و رجال الأمن مخطئين ، أنذال ، خونة ، إن لم يكونوا أعداء وعلى هذا رسم بلال شخصية ضابط شرطة يبيح لنفسه فعل اى شئ للإيقاع بتاجر المخدرات فيكون مصيره فى النهاية هو أن يلقى مصرعه على يد هذا التاجر !
قمة الإجحاف و الظلم من بلال فضل .
اولاًانا لا أنكر و أرفض تمام الرفض ما ترتكبه مؤسسة الشرطة من تعذيب للمواطنين و إهدار لحقوقهم و تقصير واضح فى توفير الأمن للمجتمع و مكافحة الجريمة و لكن هذا لا يعنى أن مؤسسة الشرطة أضحت منظمة جاسوسية او سفينة قراصنة فمازالت هذه المؤسسة تحمل فى طياتها كثير من الشرفاء يقومون بواجبهم على أكمل وجه بل و لن أكون مبالغا ًإذ ما قلت يموتون فى سبيل القيام بهذا الواجب و هناك الكثير من الشواهد التى تؤكد كلامى هذا ، و هناك فريق من رجال الشرطة يقف بين هين الفريقين هدفهم نبيل و لكن غايتهم فى بلوغ هذا الهدف قذرة و هى استراتيجية مرفوضة كل الرفض للشرطة المصرية يدعم إستمرار هذه الإستراتيجية إستمرار حالة الطوارئ فى البلاد و هو ما عبر عنه بلال فى الحوار بين الضابط عندما أقتحم شقة ( عمر ) فطلب منه الأخير إذن النيابة فأخبره الضابط ساخرا ً أن مثل هذه الأمور لم تعد سارية و برغم أنه ضابط مكافحة مخدرات إلا أنه جاء زاعما ً وجود أعمال منافية للآداب فيجيب مرة ثانية فى سخرية أن المخدرات أصبحت وثيقة الصلة بالآداب فيرد ( عمر ) بمنتهى الحزم : - إذا كنت جاى عشان المخدرات فمش هتلاقى إلا إذا كنت جايبها معاك و ناوى تحطها لى ، اما بقى الأعمال المنافية للآداب فالست دى مراتى .
فشخصية الضابط فى فيلم بلال هى من النوع الأخير ، ضابط شرطة متأكد تمام التأكد أن ذلك المواطن تاجر مخدرات و لكنه لا يملك اى دليل إدانة ضده و كلنا نعرف الفرق بين القانون و العدالة ، كثير من ضباط الشرطة ( كما بين بلال فضل ) يسعون إلى إلصاق تهمة ما بالمجرم أو يضيقون الخناق عليه حتى يسقط او يوقعوا به و هذا قمة الخطأ الذى يرتكبه الشرطى لأنه ليس من المفروض أن يتحول الشرطى إلى مجرم يخرق القانون ليوقع بمجرم ما و إنما عليه أن يجتهد فى الحصول و لو على دليل إدانة واحد للإيقاع بذلك المجرم ... ولكنها سياسة الإستسهال .
هذا هو الواقع نقله بلال بأمانة و وصلت رسالته إلى المشاهد و لكن هل من المعقول أن يكون مصير مثل هذا الشرطى الشريف و لكنه أحمق يتبع مبدأ الغاية تبرر الوسيلة هو أن يلقى مصرعه على يد تاجر المخدرات المجرم .
و يريد بلال أن نتعاطف مع تاجر المخدرات المجرم القاتل ، كيف هذا ؟ و إن لم يكن هذا التعاطف هو ما يريد بلال أن يوصله للمشاهدين إذن فلقد فشل بلال فى توصيل ما يريد لأن كل المشاهدين وصلت إليهم رسالة التعاطف تلك و إن لم يستجيبوا لها كلهم فتعاطفوا مع المجرم على حساب الشرطى المسكين الذى ترملت زوجته و يُـتم أبناءه .
و إن كان بلال يريد أن يوصل أن المجرم و الشرطى كلاهما ضحية فهو ايضا ًلم ينجح فى ذلك.
لقد هاجم كثير من النقاد الفيلم قائلين أن صناعه أعجبتهم لعبة مناهضة الحكومة كما فى ( واحد من الناس ) و أرادوا تكرار نجاحها و إستثمارها مرة أخرى ففشلوا .
لقد أختلت موازين بلال فضل الإجتماعية و العدلية فى هذا الفيلم قبل أن تختل رؤيته للأحداث الجارية و الأوضاع الحالية فى مصر كما
أختلت رؤية أحمد جلال الإخراجية ، و إن كان إختلال الموازين قد سبق إختلال الرؤى فى فيلم ( خارج على القانون )


مــحــمــد يـــاســـر بــــﮑـــر